Miguel de Unamuno

"ثلاث روايات نموذجية ومقدمة"

مدخل

1- الروايات الثلاث في أعمال مؤلفها:

نشر أونامونو "ثلاث روايات نموذجية ومقدمة" عام 1920. صدرت الرواية الثانية منها "ماركيز لومبريا" في ذاك العام نفسه في سلسلة "الرواية القصيرةوصدرت الثالثة "ليس إلا رجلاً كاملاً" في نفس السلسلة عام 1916. وبين التاريخين، لابد أنه كتب "أُمّان". التاريخ، مثل العنوان والبيانات الواردة في الصفحة الأولى من أي كتاب، ربما تكون علامات خصبة تساعد في تأويل النص، إذ أن الظرف التاريخي يمنح مفاتيح قراءته. هكذا، تسمح لنا جولة موجزة بحياة المؤلف وأعماله برؤية كيف توغلت هذه الروايات في زمانه ومكانه. ولد أونامونو في 29 سبتمبر عام 1864، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة والآداب من جامعة مدريد وهو في سن العشرين. وفي 1891 شغل منصب أستاذ اللغة اليونانية بجامعة سلامنكا، التي صار رئيساً لها من 1901 وحتى 1914. وفي هذا العام، قام وزير الثقافة العامة، التي أنشئت عام 1901 وأصبح اسمها الآن وزارة التعليم والعلم، بعزل الكاتب من منصب رئاسة الجامعة، قرار اعترض عليه بعض المثقفين ووصفوه بالتعسف المبني على العداء السياسي. هذا الجدال حول رئاسة أونامونو عام 1914 كان يعكس من ناحية، ويعزز من ناحية أخرى، أزمة النظام السياسي الحاكم في إسبانيا بداية من دستور 1876. وفي العام 1917، قدّم العسكريون للحكومة بعض المطالب التي تمثّل تمرداً؛ وجرت في برشلونة محاولة لتشكيل برلمان متمرد في مواجهة برلمان الانتخاباتالمقترح، فيما دعا العمال في الصيف لإضراب عام. ربما يمكن اعتبار هذه السنة تاريخاً رمزياً لبداية فقد الملكية لهيبتها لدى كل الطبقات الاجتماعية حتى هُزمت في انتخابات 12 أبريل 1931. حينها، شارك أونامونو في الاحتجاجات واتخذ موقفاً مناهضاً لألفونسو الثالث عشر(وليس مناهضاً للملكية) وفي 1923 ناهض من موقف مبدئي ديكتاتورية الجنرال بريمو دي ريبيرا، فنفاه الجنرال عام 1924 لجزيرة فوينتيبنتورا. ومن هناك انتقل أونامونو إلى باريس في يوليو من نفس العام، وفي 1927 انتقل إلى مدينة إنداي، حيث ظل منفياً حتى سقوط الديكتاتور في يناير 1930.

مع قيام الجمهورية، تم اختيار أونامونو لعضوية الجمعية التأسيسية لإعداد دستور ديسمبر 1931، وسريعاً ما عبّر عن خيبة أمله في رجال النظام الجديد1، وبداية من فبراير 1936 اقتنع بأن الجمهورية سقطت في أيدي راديكاليين. لذلك، أيّد في البداية تمرد فرانكو كوسيلة لإنقاذ الثقافة الأوروبية والغربية والمسيحية، في مواجهة ما سماه بالوحشية الآسيوية التي كانت بالنسبة له ديكتاتورية ستالين السوفياتية. وعندما شاهد وعايش في سلامنكا الانتقامات والاغتيالات التعسفية التي يرتكبها الفرانكيون، انعزل في بيته، حيث مات فجأة يوم 31 ديسمبر 1936.

في سياق آخر، أنجز أونامونو أعمالاً هائلة في الكم، ومتنوعة في كل الأجناس الأدبية: شعر، رواية، مسرح ومقال. وكانت موضوعاتها أيضاً متنوعة؛ وبالإضافة للأدب، كتب باستمرار للصحافة، وبالتالي كان منفتحاً وأجاب على مستجدات كل يوم. لكن ينبغي أن نتناول الأشياء المتنوعة من زاوية محددة. فالثيمة هي الشكل الذي يتناول شيئاً من زاوية محددة. وبناءً على هذا الوصف، يمكن للقارئ أن يتحقق، برغم الأشياء الكثيرة الملفتة التي فرضتها الظروف، أن ثيمات أونامونو الأساسية أربع: 1) إسبانيا 2) الدين 3) الشخصية 4) الإبداع الأدبي. الأربع ثيمات تظهر بتكرار في كل كتاباته، لذلك قال دائماً إن كل أعماله ليست إلا تكراراً وإعادة صياغة لأفكار قليلة جداً. من ناحية أخرى، شدّد أونامونو أيضاً على تناقضاته ومفارقاته ليس كفعل فحسب، بل كحق يدافع عنه بانفتاح. عبارات كانت مثل هذه تغذي في بعض القراء فكرةً مبتذلة عن أن أونامونو كان كاتباً متعسفاً، يهتم بشخصيته أكثر من اهتمامه بتماسك كتابته. غير أن تكرار مشاكل محددة تمثّل أسئلة أساسية حول الحياة الإنسانية يضمن أولاً تماسك الكاتب، حتى ولو أنكر في لحظة ما أطروحة اعتنقها سابقاً، إذ إن ذلك يُفسر كحالة تطور طبيعية فيما يخص الأفكار والقيم. عندما يناقض أونامونو نفسه، فذلك لأن المشكلة التي يعالجها تعرض عدة أوجه مختلفة، وعند معالجتها في مقال صحفي أو بحث وجيز، يقدم في بعضها مظهراً وفي البعض الآخر ما يبدو أنه يناقضه.2

إن اعترفنا بثبات الثيمات وثبات "الأنا" المهيمنة، التي تفرض نفسها بداية من مقال "رحلة إلى الجيرنيكا"(1885) التي ترسخ "أنا نفسي" وحتى خطابه المناهض لجرائم الحرب الأهلية في 12 أكتوبر 1936 3، فمن الممكن أن نكشف عن أن أونامونو كان في حالة تطور. أما معيار الإشارة للتغيير فيكمن في درجة اهتمامه المتفاوتة ببعض الثيمات أو بعضها الآخر في فترات مختلفة من حياته. نلاحظ أنه حتى 1913 لم ينشرإلا روايتين "سلام في الحرب"(1897) و"حب وتربية"(1902). في المقابل، ما بين 1913 و1921 ينشر مجموعة قصصية بعنوان "مرآة الموت"(1913) ، وروايات "ضباب"(1914) ، "آبل سانتشيث"(1917) ، "توليو مونتالبان" و"خوليو ماثيدو"(1920) ، "ثلاث روايات نموذجية ومقدمة"(1920) و"الخالة تولا"(1921). من المنطقي افتراض أنه كان يرى في الشكل الجديد فضاء مناسباً أكثر من القصيدة أو الدراسة للتعبير عن همومه الجديدة. ويعطي أونامونو انطباعاً بأنه لا يلقي بالاً للتصنيفات التقليدية للأنواع الأدبية. ويرد على النقاد الذين كانوا يرون أفكاراً كثيرة مجردة في رواياته أو قصائده، بأنه يلقح ويمزج الأنواع ليلفت الانتباه لنص محدد وفريد، ويهجر الأفكار المجردة ذات الالتزام التي تعمينا فقط عن النص. "لا الشعر ينزع عن الرواية روائيتها ولا النثر ينزع عن القصيدة شعريتها. والرواية قصيدة، عندما تكون قصيدة، فإن لم تكن فهي ليست رواية أيضاً"4. وأحياناً كثيرة يتحدث بازدراء عن الأدب ويقول إن كل نص ينبغي أن يكون شعراً. غير أن هذا التمييز يعني فقط أن كل كتابة يجب أن تنضح بأفكار ومشاعر ذاتية، تنضح بحاجة للتعبير والبحث تخلق لغتها الخاصة. الكتابة هنا بمعنى الإبداع أو الاختراع تعتبر شعراً أغنية جارثيلاسو و"منطق" هيجل، لأن القصيدة والكتاب يعكسان نفس التوق: الخدش بهدف رؤية إن كنا نكشف قليلاً غموض الطبيعة والحياة. بمعرفة هذا الفارق بين الأدب كشعر والأدب كتسلية شكلية، كتب أونامونو أنواعاً أدبية مختلفة بالمعنى الشكلي، ونظّر حولها وجرّب فيها،5 لم يكرر أبداً أسلوباً سردياً؛ يبحث دائماً عن أشكال جديدة وفي حالة ما، مثل "رواية دون سانداليو، لاعب الشطرنج"(1933) كانت التجريبية نموذجاً غريباً للطليعة في فن كتابة الروايات.

إن كان قد كرّس جهده لهذا النوع بطريقة مستحوذة ما بين 1913 و1921، فمن الضروري السؤال عن العلاقة الممكنة الموجودة بين الشكل الجديد والثيمات المطروحة في الشكل الجديد. تعتبر الروايات فضاءات يُدرس فيها طرق ومظاهر الحياة الإنسانية: شخصيات واعية وغير واعية، أصحاب إرادة أو ضعفاء، قصص حب معشقة بقصص كراهية، وتناقضات الرغبة الحميمة. في المقابل، في تلك السنوات، تراجع الصراع بين العقل والعقيدة، الذي كان هاجسه في فترة سابقة، إلى المرتبة الثانية. هذه الملاحظات تسمح بالحديث عن تطور أونامونو وترتيب أعماله المتسعة حول نواة ما ترتبط باهتماماته التي تتناسب مع تواريخ بعينها. في عام 1966 اقترحت التصنيف التالي في ثلاث فترات: الأولى، منذ رسالة الدكتوراه وحتى 1897؛ الثانية، بداية من الأزمة الروحية التي تعرض لها في ذاك العام وحتى نشر "عن الشعور التراجيدي بالحياة" في 1912؛ والثالثة، بداية من رواية "الضباب" حتى موته. أما المصطلحات التي تلخص همه الرئيسي في كل لحظة فهي بالترتيب: إسبانيا، الدين، والشخصية6

في عام 1884، قدّم رسالة دكتوراه بعنوان "نقد للمشكلة حول أصل العنصر الباسكي وما قبل تاريخه". وانشغل في أعمال تلك السنوات بإسبانيا وقشتالة والباييس باسكو، وباللغة القشتالية والأوسكرا كوسائل تعبيرية مرتبطة بـ "أرواح" شعوبها. وهي أفكار انصهر فيها حتى الاشتراكي النموذجي الذي كان يمتلك مشروعاً بجمع كل البروليتاريا من كل البلدان، واعتنقها بفكرة وجود أرواح قومية. وفي كتابه"حول أصولية اللغة"(1895) يقدم دراسة للرجل القشتالي من هذا الافتراض، أما التعبير الفني، الرمزي، لنفس المبدأ فنجده في رواية "سلام في الحرب". فيما كان أول نشاط ثقافي لأونامونو دخوله في حقل سيكولوجية الشعوب أو السيكولوجية الإثنية، والتي كانت السوسيولوجيا الفعالة في زمنه.

في عام 1897، تعرض أونامونو لأزمة دينية، حادثة يعرفها جيداً دارسو أونامونو خاصةً بداية من كتاب "أرماندو ثوبيثاريتا" ونشر "يوميات حميمة"7. بداية من ذاك التاريخ يسود الهم الديني، تحديداً العلاقة بين العقل والعقيدة فيما يخص حياة الإنسان بعد الموت. وكتعبير وإعلان عن الاهتمام الجديد يمكن قراءة مقال "للداخل"، 1898، الذي يعكس عنوانه تفضيله ما هو شخصي على ما هو اجتماعي. وسمح في نفس ذاك العام بنشر "تأملات إنجيلية" التي كتبها في النصف الثاني من عام 1897. يدفعه الهاجس الشخصي بقراءة أعمال دينية لمؤلفين مشهورين. هكذا، يقول في عام 1900: "منذ قرأت كتاب تاريخ الدوجمات لـهارناك، فتح لي آفاقاً عريضة. بمجرد اهتمامي بالمشكلة الدينية والمصير الفردي، أصد أي مفهوم جمالي للعالم"8. المفهوم الرئيسي لهذه الفترة من تفكير أونامونو هو مفهوم الشعور التراجيدي بالحياة. يقرأ لـكيركجارد، يخطط لكتاب "معاهدة حب للرب"، وينشر "ديني ومقالات أخرى موجزة"(1909) وأخيراً ينشر "عن الشعور التراجيدي بالحياة في الرجال والشعوب"، في مقالات متفرقة خلال عام 1912 وبعدها يجمعها في كتاب.


في رواية "ضباب"(1913) ، أول عمل كبير له ومنشور بعد "الشعور التراجيدي"، يعلن اهتماماً جديداً. تتراجع الثيمة الدينية في أهميتها في هذه الرواية أمام تحليل تناقضات الشخصية الحميمة. وبدءاً من "ضباب" وحتى "الخالة تولا" 1921، يكتب أونامونو أغلب رواياته. وخلال هذه السنوات يكتب "مسيح بيلاثكيث"، القصيدة التي فيها يبات المسيح، هدف قصيدة الشاعر، هو الشخصية النموذجية، النور والصوت اللذان يكشفان لنا ظلمة الأب. ثمة ثلاثة أعمال لأونامونو: "حياة دون كيخوتيه وسانتشو"، "مسيح بيلاثيكيث"، و"سان

مانويل طيباً وشهيداً"، تمثل أفكاراً أو شهادات روحية؛ تنصهر في هذه الأعمال الثيمات الأربع المهجووس بها والتي ذكرناها سابقاً: الهوية الإسبانية، الخلود الفردي، الشخصية والإبداع.

لا ينبغي أن نفهم هذا التصنيف بمعناه الصارم. إنه استقرائي بحت ويريد فحسب أن يفيد كدليل يفتح نافذة على أعمال غزيرة وشديدة الثراء. والتطور بالفعل تراكمي؛ إذ عندما يهتم أونامونو بما هو ديني لا يهجر ثيمة إسبانيا9، وعندما يسلط جل تركيزه على هوية الأنا، تبزغ هذه الهوية دائماً في مجتمع هو إسبانيا بالنسبة له، ويبلغ ذروته في سؤال يتعلق بالحس الأخير بالحياة، في الصراع مع الرب. في المرحلة الأولى كانت أساسية مفاهيم التاريخ-التداخل التاريخي. وهي الكلمة التي تختفي في الحال من مفردات أونامونو ليحل محلها مفهوم الطبيعة-التاريخ. ويقصد بالتاريخ الزمن الذي يمر، والتداخل التاريخي هو الخلود الذي يبقى. هذه المفاهيم، المستقرة في كتاباته الأولى، تتكرر في كل الكتابات التالية. في الفترة الدينية تغدو المفاهيم الأساسية هي العقل والعقيدة، وهي العلاقة، أو بالأحرى المسافة، التي تُصاغ في الفصل السادس من "الشعور التراجيدي"، وعنوانه "في عمق الهاوية". حرف العطف "و" بين العقل والعقيدة هو الهاوية؛ فوق هذا الرابط أو الجسر يطفوالوجود الإنساني. لكن، لتمرده على الموت ولإرادته البناءة يحوّل أونامونو الهاوية لصخرة حيث يبدع ويعتقد ويعيش. ومن خلال الهاوية، ومثل بروميثيوس، يقدم أونامونو النار ويشيد، لا يفكك، كما فعل وقال في العشرين سنة الأخيرة من حياته. في هذا يتمايز الشعور التراجيدي عن الشعور العدمي بالحياة، إن كان حقاً يتلاقى كلاهما في قاعدة القفز: الفراغ. "عمق الهاوية" هي الواقع الراديكالي لميتافيزيقا أونامونو.10

فترة كتابة الرواية هي فترة الانشغال بالتناقضات الحميمة في شخصيتنا. والشعور التراجيدي يثابر وثمة استمرارية بين الكتاب المعنون هكذا والروايات. غير أن الشعور التراجيدي يركز الآن على غياب المركز في "الأنا" الخاصة بنا. حالات حب هي كره وحالات كره تحب؛ التزامات سياسية ودينية محض عرض والعرض كبعد يمكن مشاهدة الحقيقة من خلاله. الحياة مثل حلم والحلم مثل حياة. والشعور التراجيدي يدرس انقسام الشخصية الحميم في هذا العالم، وليس فقط حنين العيش في الآخر. بهذا المعنى، ثمة قطيعة بين "عن الشعور التراجيدي للحياة" وفترة الروايات. فالرواية، كما قال خوليان مارياس محقاً في 1943، كانت بالنسبة لأونامونو منهجاً لمعرفة الإنسان11. "مسيح بيلاثكيث"، المكتوبة بين 1913 و1920(تاريخ نشرها) تدخل بالضبط في هذه الفترة "الإنسانية"، الماورائية، للشعور التراجيدي. المسيح هو الرجل النموذجي أكثر منا، نحن أبناء الأرض(الأم العذراء) ، ننجب ونضيء السماء مثل قمر(المسيح) ليكون نور ليلنا12. يضم هذا الانشغال أيضاً "ثلاث روايات نموذجية ومقدمة". وفيها، يمزج أونامونو القصص التوراتية بأحلام رجال ونساء عصرنا ومكاننا. تمنح الأصداء التوراتية بعداً كونياً للحياة اليومية، وفي نفس الوقت تلمع الحكايات التوراتية في كامل حقيقتها عندما نجربها نحن البشر كأنها حكاياتنا. كلنا نحمل بداخلنا شيئاً من قابيل ويعقوب. وبجانب الحكايات التوراتية، تتحرك شخصيات الأدب الكلاسيكي كنماذج. كلنا لدينا شيء من دون كيخوتيه، من سانتشو ومن دون خوان. كلنا أوجوستو بيريث؛ بيريث، رجل لا يعرف الألم ولا المواقف الكوميدية؛ لكن تلك الحياة ملحمة جوهرية، هدف لقصيدة ملحمية ممكنة أفضل من انتصارات إمبراطور: وهنا أوجوستو.

2- النصوص

حكايات جمع الثلاث روايات والإشارات التي قام أونامونو بخصوصها، أعدها بوضوح وبصرامته المعروفة السيد مانويل جارثيا بلانكو13. يذكرنا وصف "نموذجية" بوصف روايات سيربانتس. في المقدمة، يوضح أونامونو أنه يقدمها كنماذج لما يجب أن تكون عليه رواية زمننا. لا تطمح، إذن، إلى إسداء النصح في طرق السلوك، ولا طرق استلهام الرواية وكتابتها. لو أن هذه الدراسة مقال في مجلة، سيكون مفيداً تلخيص الفكرة وإبراز العناصر التي تبدو لنا أكثر أهمية في بنية النصوص. لكن القارئ هنا سيمتن لأننا لا نحكي له الفيلم قبل مشاهدته وأننا لا نقطع عليه طريق القراءة. تطمح مقدمتي لدراسة الشخصيات، البنية، العلامات والثيمات الرئيسية، والمعنى الأخلاقي للأعمال. كنت أريد الدعوة للقراءة، الأخذ بيد القارئ للنصوص، لا أن أكون عقبةً.

"أمّان" تبدأ بعبارة تعجب: "كيف حملت راكيل من دون خوان المسكين!". اسمان، رمزان وأصداء كثيرة. راكيل14 هي شغف الأمومة، هذا الشغف الذي يشكّل لأونامونو جوهر ما هو أنثوي ويُعبّر عنه كنموذج في راكيل زوجة البطريرك يعقوب.

"فلما رأت راحيل أنها لم تلد ليعقوب،غارت راحيل من أختها، وقالت ليعقوب: "هب لي بنين، وإلا فأنا أموت!". فحمي غضب يعقوب على راحيل وقال: "ألعلي مكان الله الذي منع عنك ثمرة البطن؟". فقالت: "هوذا جاريتي بلهة، ادخل عليها فتلد على ركبتيّ، وأرزق أنا أيضاً منها بنين". فأعطته بلهة جاريتها زوجة، فدخل عليها يعقوب، فحبلت بلهة وولدت ليعقوب ابناً، فقالت راحيل: "قد قضى لي الله وسمع أيضاً لصوتي وأعطاني ابناً". لذلك دعت اسمه "دانا". وحبلت أيضاً بلهة جارية راحيل وولدت ابناً ثانياً ليعقوب، فقالت راحيل: "مصارعات الله قد صارعت أختي وغلبت". فدعت اسمه "نفتالي"."

(سفر التكوين، 30. من 1-8)

راكيل التي في الرواية بها "ثمة هاويات لا تستطيع بيرتا الوصول إليها. ولا تحاول ذلك، إذ إن النظر إليها يصيب بالدوار. ثم تكتمل بأغنيات المهد تلك بلغة غريبة". بأي لغة تغني راكيل أغنيات المهد؟ بلغة يستخدمها الرجل والمرأة قبل تركيب العلامات الاتفاقية في اللغات المشفّرة. المطرياركة راكيل تتحدث بعبارات سابقة على اللغات، ومن ظلمة سابقة على كل نص، على كل عقل. راكيل، ذات أمل الأمومة الخائب، تتحدث من داخل جحيم بطن عاقر. البطن العاقر هو عمق هاويتها، شعورها التراجيدي.

تغوص في الهاوية بحركة مستمرة فلا تعثر سوى على الخواء. لذلك، كانت راكيل تبحث داخل رجلها عن شيء أبعد من الحياة. والرجل، دون خوان، الذي تدمره تماماً قوة المرأة التي تشبه كل امرأة، يتنبأ بأنها، بحبها العنيف، ستقتله. ولتحقيق هذا التمييز، استسلم أونامونو للسلطة التعبيرية باللغة الإسبانية وبلغة المتصوفة. فيما كان شغف راكيل مجرد يأس، ثم ربحت وربحت في الواقع، "لا شيء"(ميغيل دي مولينوس) من حيث قفزت إلى الغنيمة، إلى الأشياء. والأشياء كانت "لحم بقر"(1918-V، 992) ، لحوم أبقار، قوى الرجل الأولية قبل أن يستريح لقناعات العقل. لذلك، تتحدث راكيل لغة "أخروية" و"ما قبل المهد"، إنها أرملة من قبل أن تولد لأن رجلها مات قبل أن تولد. إنها، إذن، رغبة أساسية، مثل مسيح قديسات بالنثيا "قبل أن يكون مسيحاً وبعد أن أصبح مسيحاً"(13، 843).


أصالة أونامونو تظهر بجلاء عند مقارنة المصطلحات التعريفية لشخصياته برؤية الإنسان عند مؤلفين آخرين من زمنه وزمننا ممن شكّلوا أفكاراً حول نفس صورة الهاوية الأساسية. فرويد يرى "الأنا" البشرية كانقسام حميم من ثلاث طبقات: قوة فطرية أولية، والأنا

الواعية، والأنا العليا، وهي الإدراك الأخلاقي الذي يدير أو يقمع اندفاعات القوة الأولية والأنا. هذا الوعي المعياري يدخل إلينا من الطفولة الأولى عبر أوامر الأب وتحريماته. تشبه الصورة الأساسية صورة أونامونو؛ كلاهما يرى الشخص كمناضل بين التعبير والقوى الخفية. لكن القوى الخفية لدى فرويد هي الرغبة التي تعارض العقل؛ بينما عند أونامونو شغف، لهفة، شجن، "حالة قلبية"، أكثر عمقاً ولمعاناً من العقل. اسمها الفني "الشعور التراجيدي". والشعور التراجيدي ليس مضاداً للعقل، ولا للفطرة والتلقائية، بل أعلى من العقل، إنه شعور برّاق للإنسان كاملاً. الشعور يتحدث لغة أولية، سابقة على اللغة التي جعلوها اجتماعية؛ إنها لغة شعرية.

في دراسة "سخام الفلسفة"، يرى جاك دريدا الثقافة كصفحة مكتوبة لا يمكنناإخضاعها لنقد راديكالي لأننا لا يمكننا الخروج منها. لننقد الثقافة، وخطوط العقل، سيكون علينا الخروج منها، لنقف على هامش الفراغ. يقول دريدا إن ثمة مفكرَين فقط بلغا نقطة الخروج القصوى التي لا نستطيع اليوم تخيلها. ماركس وفرويد. كل منهما بأسلوبه، ودريدا معهما، بقوا في عالم المفاهيم، مكتشفين بالعقل حدود العقل، ليثقبوا طبلة أذن الفلسفة بالمشاعر، كاشفين جذر رغبة ستجد صخرتها فقط في حضور الإله الذي يضمن لنا الحياة الأبدية. ما يميز أونامونو عن هؤلاء المفكرين الحديثين وعن شوبنهاور، كما سنرى بعد ذلك، هو دائماً الإله. عالم الظواهر، هذا العالم، يتكئ في رأي المؤلفين المشار إليهم على الإرادة، الغريزة والعدم؛ على واقع غير ظاهر من هذا العالم. أما بالنسبة لأونامونو فالواقع الظاهر والباطن من هذه الحياة شديد الصلة بالإله، الغائب والمحتجب، والذي يظهر مثل ظلام، مثل رغبة. لكنه وحده الذي يضمن الواقع تحت الأحلام: "لأنك إن كنت موجوداً/ سأكون أنا أيضاً موجوداً". يقرأ فرويد القصص التوراتي كمجاز عن خبرات إنسانية بحتة. فيما يرى أونامونو في الخبرات الإنسانية البصمة الإلهية التي تتجلى في طبيعة الإنسان وفي القصص التوراتي.

تعيش راكيل مع خوان في رابطة لم تمر بالطقس الكنسي ولا بإجراءات الزواج المدني. لكن، بحسب المؤلف، كان بيت راكيل وخوان طاهراً مثل دير. هي، المرأة، من نظفت له جسده وروحه، وحررته من التناثر بين النساء. لكن عند تطهير الرغبة، محت منه راكيل الإرادة. دون خوان سيفيد كمنجب للابن، دون أن يكون حتى أباه. إنهما أمّان تتعاركان على طفلة وهو ابن آخر للصراع، الذي ينتهي عندما يتحطم. في البداية يتنبأ دون خوان بأن راكيل ستقتله، وما يتنبأ به يتحقق.

يجسّد دون خوان واحدة من الروايات المتعددة التي تبنّاها أونامونو في الأسطورة الكلاسيكية بأدبنا. إنه في "ساخر إشبيلية"(1625؟) قاهر قلوب بارد ووحشي، عاجز عن الحب وقادر على كل جريمة. وبسبب خطاياه الكثيرة وعدم مبالاته المتكبرة بالتوبة، يُحكم عليه بالجحيم. دون خوان دي ثورييا يرتكب الكثير من الجرائم، لكنه قادر على الحب. وحبه الحقيقي للسيدة إنيس يثير بداخله الرقة والإخلاص، والفضائل التي تقوده للتوبة والنجاة. كلتا الصفتين تقدمان شاباً وشغوفاً دون أي كبح من هذا العالم أو العالم الآخر(باستثناء السيدة إنيس في مدينة ثورييا).


أبناء جيل 98، في المقابل، تمتعوا بتخيل قاهر القلوب بعد أن بدد ثروته وصحته. أثورين وماتشادو رسماه عجوزاً، محافظاً ومتمسكاً بالتقاليد. فيما رأى أونامونو في دون خوان شخصية حسية، "بهلواناً"، أو بمعنى آخر فاجراً أمام أي سلوك. في المقابل، دون كيخوتيه هو "الرصين والحصيف، ولا يشبه دون خوان تينوريو المبذر"(1923، X، 565). رؤيته الأولى

لدون خوان سيعززها كيركجارد، الذي يصفه كضمير نقي وتلقائي، قبل المرور بأي تأمل. دون خوان هو العقل النقي، السابق على مستوى الذكاء؛ لذلك، يقول كيركجارد، دون خوان لا يتكلم، لكنه الشخصية الموسيقية بامتياز. وأونامونو يتفق مع كيركجارد في رؤيته للشخصية كحسية نقية، لكن بمستوى ما من الذكاء. دون خوان بالنسبة لأونامونو شخصية مسرحية، وليس موسيقية. يعيش من المظاهرومن داخلها يتكلم اللغة الفارغة والتقليدية لإنسان بلا مركز.

بحسب العُرف، دون خوان قاهر القلوب. لكن أونامونو يقدمه في "أمّان" كرجل مقهور القلب، ضحية للنساء. أما الملمح الذي يميزه في العمل فهو فقدان الإرادة. القاهر المقهور يصيبه بالشلل خنوعه أمام راكيل؛ ولأنه بلا إرادة، فالخنوع ليس حباً ممتعاً ولا عالياً ولا عميقاً، بل حب العبيد، الحب كحمل ثقيل، كسجن. لو اكتسبت الرواية ثراءً في المعنى لأنها أشارت إلى راكيل، زوجة يعقوب، فقد اكتسبت في مستوى ثانٍ لأنها أعادت خلق شخصية دون خوان، وثالثاً لأنها صنعت دراما حديثة من حكم سليمان. صنع أونامونو دراما من الحكم على مستويين؛ في الأول والأكثر وضوحاً، تتعارك الأمّان بسبب أمومة الطفلة؛ وفي الثاني، تتعاركان على دون جوان، ابنهما كلتيهما أيضاً، الذي لا يجد رحمة في أي ملك حكيم، وينتهي ممزقاً(الفصل 11).

الأم الأخرى هي بيرتا لابيرا، زوجة وأم بحسب القانون. ورغم عدم الإشارة لمكان أو زمان، تقع الدراما الإنسانية بين أفراد عائلة بورجوازية إسبانية في حدود عام 1920. السادة لابيرا مواطنون صالحون، يعيشون من ثروة على وشك النفاد ويتبعون بغيرة تعاليم الكنيسة والدولة. بيرتا، البنت، تشعر في وعيها بضرورة تحرير دون خوان من رابطة راكيل غير الشرعية وتقبل ما يمكن أن يسببه الزواج من تضحيات. بيرتا هي العقل في مواجهة العاطفة؛ الممثَل في الأخرى. غير أنها تشعر بإعجاب عميق بالمرأة التي تحل محلها. وفي الصراع بين الاثنتين، تتوصلان لاتفاق. العقل البورجوازي يخضع للشعور التراجيدي، الجسد الذي يتوقف يقيم السلام مع الروح التي أنجبته. الأمّان تنتهيان أمّاً واحدة.15

"ماركيز لومبريا". كرر أونامونو عدة مرات أنه يقترح إلغاء المكان من رواياته ليتحقق التركيز على مشاعر أبطاله. لكن "ماركيز لومبريا" محض استثناء، فالأبطال لا يبدو أنهم الشخصيات، بل القصر. فيه، سنكتشف ثلاثة ماركيزات، أيهم يحمل العنوان، الجد أم الأحفاد؟ في الثلاث روايات التي يتكون منها الكتاب يتصرف آباء الأبطال ككومبارسات، لكن دورهم مهم في سياق منطقية الأحداث المتحركة. اللافت أننا سنكتشف تدرجاً في ملامحهم الأخلاقية. والدا بيرتا في "أمّان" يعكسان الإخلاص لدون خوان ولعقيدة دينية مرتبطة بالمصلحة كنتاج للضيق الاقتصادي. يعيش ماركيز لومبريا العجوز فقط من الشرف خالي الوفاض المرتبط بالشرفات العائلية. بينما أبو خوليا في "ليس إلا رجلاً كاملاً" على استعداد لبيع ابنته ليحافظ على ثروته. لا ألصق هذا التدرج بنية أونامونو، لكن على هامش النية، يقدم أونامونو نصاً يعكس مظاهر متعددة من البرجوازية أو النبالة الإسبانية، كما يراها المؤلف. في رسم هذه الشخصيات والعالم يقيم مؤلف الروايات حواراً مع قارئه أبعد من الشخصيات، مؤسساً بذلك مستويين من الخطاب: مستوى الشخصيات فيما بينها، ومستوى السخرية: ميغيل دي أونامونو يؤشر للقارئ إلى الوضع الاقتصادي وأحكام شخصياته الأخلاقية.


القصر مغلق على الهواء والشمس. إنه أرشيف، تقليد، محافظة، شرف فارغ، كلمة

فارغة، ظلام ينام فيه "ضوء إسبانيا الحالية الهزيل"16. في هذا البيت المعتم، الذي تحده كاتدرائية باروكية وقديمة، يعيش ماركيز عجوز يلعب الورق مع قس يستفيد ويسجّل الملكيات. يطلق عليهما بعبارة شعبية فارغة "قوىتعيش على عرق الشعب"؛ والحقيقة أنها أرواح ميتة. لدى الماركيز بنتان، ضحيتان لـ"الرسمية" ومتعطشتان لـ"التأصيلية"، بمعنى نيل الأمومة. عندما يدخل الرجل البيت، تتحول الأختان إلى يعقوب وعيسو مؤنثين. وعلامة الضغينة الرئيسية هي الصمت. كارولينا، الأخت الكبرى، تصبح أماً لابن ذي عاطفة ويُضحي بها لتحقيق متطلبات زواج شرعي تعقده لويسا، الأخت الصغرى. أما الماركيز العجوز، الذي لا يريد سوى الحفاظ على لقبه، فعندما يمنح لويسا الميراث الشرعي، يموت سعيداً، مثل العجوز شمعون عندما يرى المسيح.

في هذه الروابط الزوجية والعلاقات خارج الزواج لا يتحدثون أبداً عن الحب. إنها علاقات تراجيدية، صامتة، خالية من التعبير عن المتعة. تريستان، الرجل، ليس إلا مجرماً آخر من جمهور سليمان. آدم وقع في سحر حواء. في نهاية المطاف، عندما يلتقي أبناء كارولينا ولويسا، إخوة من الأب، سيتحولان إلى قابيل وهابيل. كارولينا، هاجر المطرودة، تنتهي بفرض حق ابنها كوريث لجده، حق الماركيز ذي الدم الأحمر في مواجهة أصحاب الدم الأزرق. كانوا يسمون المولودين خارج إطار الزواج في إسبانيا بـأبناء الخطيئة. وبالنسبة لكارولينا كان ابن الخطيئة ثمرة الزواج التقليدي. سيفتح ماركيز الدم الأحمر شرفات القصر على الشمس والهواء والذباب، الذباب المبتذل "الذي يستحضر كل الأشياء" للشعب. واستناداً على النص التوراتي، تقدم "ماركيز لومبريا" التطور المثالي لبيت معتم ينقذ نفسه "بالغرق في الشعب"، فاتحاً شرفاته على هواء الشارع.

وبالإضافة للخلفية التوراتية والدلالات الاجتماعية، يكتشف القارئ تشابهات مع أماكن أو أحداث في أعمال أدبية أخرى. القصر المغلق يذكرنا بالبيت المحاط بسور في "ابن اكستريمادورا الغيور" لـسيربانتس. قيم العائلة التي تعد مصير كارولينا تذكرنا ببيت رونداليجو في قصة "السيدة بيرتا" لـكلارين. من ناحية أخرى، من الواضح جداً أن "ماركيز لومبريا" استلهمت "بيت بيرناردا ألبا" لـلوركا. القصر، الحزن، الرغبة المقموعة وصراع الأخوات من أجل نفس الرجل، كلها ثيمات شائعة. بالطبع، تراجيديا لوركا كانت أصيلة على الإطلاق في إخراجها الفني. العملان، مع ذلك، يحتويان رسالة أخلاقية-اجتماعية، رغم اختلاف كل منها. بيرناردا ألبا هي الديكتاتور الذي يأمر بشيء واحد: الصمت. نحن الذين نعلّم الإنسانيات في الجامعة ونحضر تحريف اللغة المرتكب من قبل كل نوع من البروباجندا، نعيش في نفس لحم الطاغية بيرناردا ألبا وبصيرة لوركا عندما يجسد فيها قانون الصمت. رسالة أونامونو أكثر تجريدية. يفضح الزيف، لكنه لا يدين أحداً، لأنه يدرس الحالة كحدث غير متماسك مع الطبيعة، في خط ملتبس بين الوعي واللاوعي.


"ليس إلا رجلاً كاملاً" هي الرواية الأكثر تعقيداً في المجموعة. المشكلات المتنوعة التي يقدمها كان من الممكن أن تمنح الفرصة لمؤلف آخر لكتابة نص أكثر اتساعاً. غير أن أونامونو يطحن في مقدمته أي رغبات ممكنة لدى القارئ. الشخصية الأولى التي نقابلها هي خوليا، امرأة يصفها بأنها جمال المنطقة الأكبر، لكنها "كانت تشعر بأن فوق كاهلها مستقبلاً مأزوماً". تتحول خوليا بالنسبة لأبيها لشيء يمكن استبداله مما يجعلها تفكر في الإفلاس وكيفية إنقاذ "شرف العائلة". ودفاعاً عن نفسها في مواجهة أبيها، تستسلم بالتتابع لعشيقين: الأول دون خوان حسي لا يبحث إلا عن علاقة معهامن أجل التباهي؛ والثاني،

الأكثر صراحة، يعشق بعقله بشكل مفرط. يبحث عن نهايات أفعاله، وليس عن طاقة الحب الباطنية. وفي النهاية يظهر أليخاندرو جوميث، رجل كامل، فتشعر خوليا ناحيته بالانجذاب وتتيقن أنه الحب الحقيقي، لكن ينتابها الخوف.

وعلى عكس دون خوان في "أمّان"، يبدو أليخاندرو كرجل ذي إرادة، إرادة تفرض نفسها عندما يقول "أنا" "بالنسبة لي". إنه، ويُظهر ذلك، فلاح غليظ. عندما تراه خوليا، تشعر فيه بالرجولة. هذه الشخصية أبدعها أونامونو بلا شك على نمط شوبنهاور، الذي كان يرى أن العقل هو عضو التمثيل وأن الخصية مقر الإرادة. إليخاندرو هندي أحمر يظهر في "رينادا"، ويمتلك ثروة كبيرة وبلا أصول، إنه ابن أعماله. يدرس أونامونو في هذه الشخصيات سلطة التقاليد واللغة التي ورثها كل واحد منا. ألونسو كيخانو يتعمّد ويتحول إلى دون كيخوتيه جديد. المتصوفة يكتسبون تقلباً في شخصياتهم يمكن أن يسمى بالتحول، وفيه يهجرون الرجل العجوز. هذه التجارب يمكن نقلها إلى أي شخص ينتصر على مستوى الحلم ويعانق بحماس مشروعاً مستقبلياً. أليخاندرو محض مستقبل. يقرر أونامونو هنا ملمح شخصيته الرئيسي، رغم أن المؤلف قد يتخذ قرارات شديدة السهولة، وبالتالي تعسفية. في 1904 نشر بيرانديللو "إنه كان ماتيا باسكوال". في هذه الرواية يتغير اسم البطل، في اليوم الذي اعتبروه فيه ميتاً، ويحاول الحياة بهوية جديدة. لكنه في كل لحظة يصطدم بضرورة تشييد ماضٍ يفسر به حاضره. ويائساً من الأقنعة غير المنطقية التي يرتديها دائماً، يقرر العودة إلى جذوره، استرداد نفسه. لكن المرأة التي هجرها حينذاك باتت متزوجة، بمعنى أن العالم من حوله كان قد تغير بحسابه مع الموتى. وأصبح أفضل شيء يفعله أن يتراجع، أن يموت حقيقةً. وبالفعل، أليخاندرو أيضاً له ماضٍ يطفو من جديد في إشاعات تحيط بزواجه الأول وموت امرأته الأولى.

تشعر خوليا بالانجذاب نحو أليخاندرو. تشعر بحب حقيقي، لكن، بما أنه كان بالنسبة للجميع محض مثير للارتياب، لم تحبه كامرأة حرة، بل كأمة. الكلمات الأكثر تكراراً على طول الرواية هي كلمات التجارة والعبودية أو الأسر: بيع، استسلام، غزو. تعاني خوليا من العذاب لأن زوجها لا يعبّر لها أبداً عن حبه لا بالكلمات ولا بالإيماءات. في هذه اللحظة تدخل شخصية جديدة، الكونت دي بوردافيللا. الكونت رجل نبيل وثري بالوراثة، حساس وعاطفي. رجل متألم من متاعب زوجته، يجد في خوليا صدراً مطمئناً ليحكي معها خيبات أمله. وبدورها، تجد نفسها مشدودة للرجل ذي القلب، وليس فقط الإرادة.

يعالج أليخاندرو من الجذر هذا الانجذاب العاطفي ويصنع -يبدع في ذلك الروائي أونامونو بطريقة أستاذية -مشهدين يتحتم فيهما على خوليا والكونت بالتوالي أن يتحولا إلى مجنونين. لن أحرق المفاجأة التي سيكتشفها القارئ بنفسه بوصف كيف حدث وهم الهلاوس. في الفصل 46 من الجزء الأول من "دون كيخوتيه"، سلطة السيد مثل المعرفة والقدرة تفرض نفسها على سانتشو وتجعل حامل الدرع ينفي ما يراه بعينيه. ما يراه كقطعة معدنية يستخدمها الحلاق يتحول إلى خوذة تحت سُلطة سيده. يمارس أليخاندرو جوميث نفس السُلطة على خوليا والكونت. يصنع أونامونو الدرامامن السُلطة التي تمتلكها الكلمة ليحدد رؤيتنا للواقع. اللغة تثير في بوردافيللا وخوليا تحولات وتقلق وتهز روحيهما وتجعلهما يطفوان بين الواقع والحلم.


تنهار خوليا، جمال رينادا الباهر، أمام العذاب الذهني والعاطفي. وعندما تقترب من الموت، يكسر الزوج للحظة قشرة الذكورة التي منعته من التعبير عن حبه. حينها يعرف

القارئ أن أليخاندرو كان يعشق زوجته بعمق، غير أنه لم يكن يستطيع الاعتراف لها لأنه كان يعتقد أن ذلك شيء خاص بالروايات. حتى ابنه لا يريد أن يُقبّله لأنه، بحسب قناعاته عن الرجولة، تقبيل الابن يجعله ضعيفاً ومتمارضاً. إن فكرة التعبير عن الحب "ليست من الرجولة"-وهي كود ثقافي منقول بغباء في عبارات الشعب الإسباني الفارغة- خلقت جبلاً من الجليد بينه وبين زوجته، وكان نتيجة ذلك العذاب المتبادل. في الرواية السابقة رأينا الصمت في مواجهة الضغينة، ما يؤدي إلى ارتكاب جريمة. لأن الصمت ربما لا يقتل، لكنه يدفع إلى الموت.

إرادة أليخاندرو تفرض نفسها على كل شخصيات الرواية. فقط ترى الرب يسخر منها. الرب والموت يقاومان البيع والغزو. ولسبب ديني، يرتفع أونامونو عن تحليل الشخصية الصرف ويتذكر معركته مع الرب. هنا يتجاوز أفق شوبنهاور17. الإرادة يغشى عليها، لكنها لا تقع في النيرفانا. في هذه الحالة، ينتهي الشعور التراجيدي إلى الانتحار، مثلما في "روميو وجوليت"، ليبدأ في الحياة مع المرأة المحبوبة، متحدثاً، دون أي حواجز من جبال جليدية.

أحد الأعمدة الرئيسية في الرواية بأكملها الربط بين الحياة والأدب. كل ما يتضمن إشارات إلى الماضي والحب هو بالنسبة لأليخاندرو رومانتيكية، ثمرة للروايات والمسرح. غير أن أونامونو، عند رسم "عمل" أليخاندرو كطريق نحو الموت، لا يعتبره نموذجاً للرجل المثالي، الذي يتميز بنسب كاملة من ملامح الذكورة والأنوثة.

في هذه الروايات، يرسم أونامونو المرأة حصرياً في عاطفة الأمومة؛ لا تعشق الرجل بل تستخدمه كوسيلة لتحقيق ما تتوق إليه. إن أضفنا إلى هذا الملمح مناخ النماذج الأدبية الكلاسيكية والتوراتية، يمكن تأويل أن المرأة في تلك الروايات كانت باردة، جافة، أو غير واثقة من نفسها مثل خوليا. حتى عندما يقول لنا المؤلف إن البطلين يتبادلان الحب، فهذا الحب ليس أبداً متعة مؤكدة. مع ذلك، بغض النظر عن النساء اللاتي يظهرن في تلك الأعمال، يربط أونامونو الأنوثة بقيم كثيرة إيجابية يجب أن يتحلى بها الذكر. وفي الوقت الذي تتواجه فيه الذكورة والأنوثة سيكون لدينا هذا العمود المزدوج:

أنوثة

ذكورة

رأس

ذراع

ذكاء

قوة

حساسية

وحشية

شعور تراجيدي

تعصب

مثقفون

عسكريون

في عمله "حول تأصيلية اللغة"(1895) تواجه الحساسية "الإرادات القوية" التي تخرج من الأعضاء التناسلية للرجل الإسباني. عندما حاول الجنرال بريمو دي ريبيرا في عام 1924 حكم الأمة ببساطة حكم الكتيبة، ربط أونامونو الوحشية والذكورة بالعسكرية. وكما نرى، التعارض بين الذكوري والأنثوي، الذي يبدو في البداية أن له مغزى ثقافياً فقط، يكتسب في فكر أونامونو معنى سياسياً.

نموذج الرجل بالنسبة لأونامونو هو دون مانويل بوينو، قس بالبيردي دي لوثيرنا، وليس أليخاندرو جوميث. أليخاندرو ليس إلا رجلاً كاملا. دون مانويل "رجل متحيز للمرأة"، بمعنى رجل بملامح أنثوية: متفهم، منفتح، قادر على التعبير عن الحب. مسيحلاس كلاراس دي بالينثيا هو "المكسب، المكسب الحقيقي"(ليس إلا رجلاً كاملاً) ؛ مسيح بيلاثكيث، "الكلمة التي تتجسد في لحم حي"(رجل بملامح أنثوية).

3- مقدمة للمقدمة

ربما ننتظر من المقدمة حكماً حول جودة هذه الروايات. لكن لا معنى كبيراً لأن نُملي الآن على المؤلف ما نرى أنه كان واجب الفعل. سيكون من الأفيد أن ندرس شرحه الخاص أو موقفه الواضح المتضمن في المقدمة. المفاهيم الأساسية لهذا النص هي التالية: رواية/ نيفولا واقعية(القسم من الثاني للرابع) ، الفرد والبشرية(القسم الخامس) ، والأدب والحياة(السادس).

في الفصل الـ 17 من روايته "الضباب" يقول بيكتور جوتي لصديقه أوجوستو إنه يكتب رواية تشبه الحياة، بلا حبكة ولا خطة مسبقة. الشخصيات تشرع في الكلام وتتكون الرواية من حوار فحسب. يعلّق أوجوستو بأن هذه ليست رواية فيجيب بيكتور بأنه يسميها نيفولا(II، 895). بهذا المصطلح، الذي يعني لأونامونو إحدى علامات الكسل العقلي لدى النقاد الذين انتشوا أمام مزحاته البسيطة، يؤكد المؤلف أن نصوصه روايات حقيقية ويشير لاختلافه وبعده عن الرواية السائدة في عصره. إن نظرية كيف تخلق شخصيات، لها عند أونامونو مظهران قد يصلان إلى حد التناقض. الأول، الذي يدافع عنه جوتي، يجب أن تتكوّن الشخصيات عبر كلامها. والثاني، الذي يشكّله المؤلف في هذه المقدمة، أن الشخصية تدافع عن نفسها عبر ملمح رئيسي يفيد كنواة لكوكبة من التظاهرات الشكلية. أوجوستو بيريث، المُقدَم في الثلاثين فصلاً الأولى من "ضباب" كمتنزه ومتجول في الحياة، يجسّد الملمح الأول؛ فيما تجسّد راكيل ولويس وأليخاندرو في هذه الروايات، الملمح الثاني. والملمحان حقيقيان بالتساوي، إذ أن الإنسان محض بندول يتأرجح بين الحياة والحلم، بين الطاقة المندفعة(أنا مضغوط) والهروب الاكتئابي(أنا متناثر، ما يتضح عند الحوار).


غير أن الحوارات أو السرديات العارية لكل حدث خارجي متهمة بمفهومية فلسفية وغياب الواقعية. يرد أونامونو محذراً من غموض المصطلح. ويقول أورتيجا عنها في 1911: "كلمة غير مريحة". فيما يقدم كتاب "الواقعية الإسبانية" لـجيريمي ميدينا نوعاً من الخرائط للمعاني المتعددة للكلمة في التاريخ الأدبي، وكما نتوقع، لا يحيط بها كلها. يطلق أونامونو مصطلح "الواقعية" على التحليل أو دراما وتسليط الضوء على ملامح أولية للشخصية الأدبية(راكيل، دون خوان، أليخاندرو جوميث في هذه الروايات) ، ملامح في نفس الوقت دراسة للشخص من لحم ودم. وبما أنها دراسة للمشاعر العميقة لفرد، فهي بالتساوي عميقة لكل الإنسانية. في التوق للأمومة لدى راكيل، يطمح أونامونو لرسم صورة أولية للمرأة،؛ وفي تردد زوجها دون خوان يتضح عدم ثقة أغلب الرجال وتصدعهم الحميمي، حتى

عندما يتظاهرون بأنهم فوق الخير والشر. يرى أونامونو تحليل هذه الملامح الأولية للإنسان، على هامش المكان والزمان والعالم السردي، أكثر واقعية من الشخصيات والحكايات الغامضة(يسميها هو بـ "الغسقية") ، التي تتكوّن عبر هذه الظروف. مع ذلك، لا يتجاوز هو كليةً ما يسميه بـ "واقعية غسقية". في هذه الروايات الثلاث، نجد آباء البطلات والمجتمع الذي يتحركون فيه- أصحاب اللعبة في رواية "ماركيز لومبريا" أو دائنو أليخاندرو- يفلترون في المشهد حياة مدنهم السوقية. وقبل أي شيء، الأمهات.بطلات الصف الأول يتأكدن كضحايا أو جلادات. لكن أمهاتهن يحتملن فقط أزواجهن وبناتهن، أو يرقدن ناعسات في الصالة المعتمة، مثل الماركيزة العقيم، تمثل البطلات الواقعية الاستثنائية؛ أمهاتهن يمثلن الواقع الفعال، الغسقي.

هذا الأدب الذي يبدو مجرداً هو بالنسبة لأونامونو أفضل انعكاس للواقع، إذ إن الينابيع الأساسية للسلوك تتكرر في كل الرجال. لذلك، فالأدب الحقيقي هو دائماً الحياة؛ الكتابة والقراءة طرق لدراسة الواقع، وليس مجهودات لخلق أو ابتداع أشكال عبقرية. الكلمة(والكتابة كشكل خاص للكلمة) هي الواقع أو ما تصنعه، لأن الكلمة هي ضمير الفرد، وفي النهاية نحن أشخاص لضميرنا المتأمل. الأدب هو الواقع لأنه، بمجرد إنتاجه، يتحول لشيء/ لحدث ثقافي واقتصادي بتأثيره السلبي والإيجابي. لكنه واقع أيضاً لأنه خارج الواقع لا يوجد شيء. الضمير هو اللغة. نص منشور هو لغة مرت بتصحيحات متعددة، لكنها في نسختها الأخيرة لا تكف عن أن تكون لغة بدرجة عالية من الارتجال. الحياة الإنسانية تقوم بين لحظة تلقائية ومندفعة وتأمل يوصم على التلقائية المشروطة تلقائية اللحظة التالية. لا يوجد، إذن، تلقائية الإنسان، إذ إن كل رد فعل تلقائي مشروط بخبرة الحياة السابقة. حياتنا تُقاس دائماً بالأدب، الذي يمكن أن يكون الكلمة الفارغة والهجومية للفضاءات السوقية أو المشكّلة بـ "النشيد الروحي" لـسان خوان دي لا كروث. يكمن سر الكلمة أساساً في ذلك: دون الكلمة، التي هي الضمير، لا وجود للإنسان. في الوقت نفسه، الضمير والكلمة يمكنهما تزويرنا. أفضل طريق لأعرف نفسي هي كتابة يوميات؛ لكن عند الكتابة يمكن أن أشيّد شخصية مزيفة تشي بسلوكي اللاحق. صنع أونامونو دراما من لغز الكينونة والضمير في "يوميات حميمة" و"حياة دون كيخوتيه وسانتشو" وخاصةً في "كيف تكتب رواية". وكانت حياته طفواً بين العمق والشكل، بحثاً عن الحقيقة في النص. الخطأ التراجيدي لإليخاندرو جوميث يكمن في رغبته أن يعمل نفسه روحاً محتقراً التعبير عن المشاعر كـ "شيء خاص بالأدب". وعندما يفوت الأوان، يعترف أن الرجل الحقيقي ليس من يحب فحسب، بل من يعبّر عن حبه، كما يحدث في الروايات. يجب أن نحاول امتلاك شخصية، أو امتلاك عرقوب، كما تقول العبارة الشعبية. لكن الشخصية المضغوطة بزيادة يمكن أن تقضي علينا بالقتل أو الانتحار. لتكون رجلاً -لا رجلاً مكتمل الرجولة ولا سوبر ماناً- يجب أن تقرأ روايات. على سبيل المثال، أيها القارئ، أنت الآن مع دون ميغيل دي أونامونو وهو بين يديك.

سيرياكو مورون أرويو

مراجع(بيبليوجرافيا)

طبعات

1916: ليس إلا رجلاً كاملاً، رواية غير منشورة. في سلسلة الرواية القصيرة، 1، رقم 28، مدريد، 15 يوليو 1916، 34 صفحة.

1920: ثلاث روايات نموذجية ومقدمة، مدريد، كالبي، 1920.

1939: نفس المصدر، مجموعة أوسترال، رقم 70، بوينوس آيرس.

1961: نفس المصدر، في الأعمال الكاملة، مقدمة، طبعة وملحوظات مانويل جارثيا بلانكو، برشلونة، دار بيرجارا، الجزء التاسع، 411-518. إعادة في O.C مدريد، إسليسير، 1967، الجزء الثاني.

دراسات

كارلوس بلانكو أجيناجا: أونامونو المتأمل، المكسيك، مطبوعات مدرسة المكسيكن 1959.

كارلوس بلانكو أجيناجا: "مظاهر ديالكتيكية في الثلاث روايات النموذجية"، في مجلة أوكثيدنتي، عدد 77،1964، ثم في كتاب سانتشيث باربودو، "ميغيل دي أونامونو"، مدريد، تاوروس(سلسلة: الكاتب والنقد) 1974، ص 251-271.

خوليو كاسارس: "ثلاث روايات نموذجية ومقدمة"، في "نقد سريع"(1920) ، الطبعة الثانية، مدريد، إسباسا -كالبي، 1944، ص 78-88.

كارلوس كالبيريا: "حول ثيمة قابيل في عمل أونامونو"، في "ثيمات أونامونو"، مدريد، جريدوس، 1953، ص 93-122، ومجموع في بانتشيث باربودو، ص 227-249.

جاك دريدا: "هوامش الفلسفة"، باريس، منشورات مينوي، 1972.

إجناثيو إليثادي، ميغيل دي أونامونو وسردياته، سان سياستيان، كاخا دي أوروس بروبينثيال جيبوثكوا، .

كارلوس فيال ديبي، أونامونو، "الآخر" ودون خوان، مدريد، دار كوبسا 1976.

سيجموند فرويد، "das ich und das es"(1923) ، في وركاوسجبي في زوي باندن، فرانكفورت/ ماين، فيشر ولج، 1978، الجزء الأول ص 369-401

سيجموند فرويد: "die zerlegung der psychischen personlickeit"(1933) ص 402-418.

مانويل جارثيا بلانكو: "أمريكا وأونامونو"، مدريد، جريدوس، 1964.

مانويل جارثيا بلانكو: "حول أونامونو"، مدريد، تاوروس، 1965.

رينيه جيرارد: "العنف والمقدس"(1972) ، ترجمة خوسيه جونثالث ومانويل فوليمين. كاراكاس، الجامعة المركزية بفنزويلا، 1975.

دي. جوميث مويدا: "أحداث المؤتمر الوطني الخمسيني لأونامونو". جامعة سالامنكا، 1989.

ريكاردو جويون: "سير أونامونو الذاتية"، مدريد، جريدوس، 1964.


ألفريدو إرمنخيلدو: "قطيعة الازدواج المستحيلة: أونامونو الآخر"، في خيسوس إم.

لاساجاباستر، "مسرح أونامونو"، سان سيباستيان، جامعة ديوستو، 1987، ص 189-211.

فاليري لارباود: "نبوءة" ثلاث روايات نموذجية ومقدمة، باريس، سيمون كرا، 1925.

خوليان مارياس: "ميغيل دي أونامونو"(1943) ، مدريد، إسباسا كالبي، أوسترال، عدد 991.

جيريمي ميدينا: "الواقعية الإسبانية"، بوتوماك، مدريد، بوروا تورانثاس، 1979.

سيرياكو مورون أرويو: "ضباب.. في التطور الثيماتي عند أونامونو"، في ملحوظات في اللغة الحديثة، جزء 81(1966) ، ص 143-158.

خوسيه أورتيجا إي جاسييت، "تأملات في الكيخوتيه"(1914) ، مدريد، مجلة أوكثيدينتي 1957.

إيسابيل بارايسو دي ليال: "أنا، الآخر"، في خيسوس لاساجاباستر، ص 153-188.

بيدرو ريباس: "أونامونو والثقافة الألمانية. الالتقاء بشوبنهاور"، في دي جوميث مويدا، "كتاب في تكريم ميغيل دي أونامونو" سالامنكا، بيت -متحف أونامونو، 1986، ص 275-294.

أنخل دل ريو: "روايات أونامونو النموذجية"، في مجلة جامعة بوينوس آيرس، الجزء الخامس،(1960) ، ص 22-34. ومجموع في "دراسات حول الأدب الإسباني المعاصر"، مدريد، جريدوس، 1966، ص 7-27.

إميليو سالثيدو: "حياة دن ميغيل"، سالامنكا، مطبوعات آنايا، 1970.

دابيد جي تورنير: "unamuno s web of fatality، لندن، كتب تاميسيس، 1974.

ميغيل دي أونامونو: "يوميات حميمة"، مدريد، دار أليانثا، 1970.

ميغيل دي أونامونو: "مسيح بيلاثكيث"، طبعة كريتيكا دي V، جارثيا دي لا كونتشا، مدريد، إسباسا كالبي(كلاسيكيون إسبان، سلسلة جديدة، العدد 3) ، 1987.

ماريو خوسيه بالديس وماريا ميلينا دي بالديس:

An unamuno source book. A catalogue of readings and Acquisitions with an introductory essay on Unamuno no s dialectical enquiry ا تورونتو، مطبوعات جامعة تورونتو، 1973.

أرماندو ثوبيثاريتا: "وراء بصمات أونامونو"، مدريد، تاوروس، 1960.

هذه الطبعة


نعيد نشر الطبعة الشعبية المنشورة في سلسلة أوسترال عام 1939، المأخوذة عن الطبعة الأولى الصادرة عام 1920، كذلك من مطبوعات النقد مانويل جارثيا بلانكو(1961، 1967، انظر البيبليوجرافيا). كل الطبعات تعرضت للأخطاء المطبعية، وأكثرها دقة هي طبعة جارثيا بلانكو، 1961. في بعض الأحوال، لجأت إلى الترجمة الفرنسية عام 1925 لإزالة

بعض الشكوك، لكنها لم تكن ملتزمة بالنص ولم أستفدإلا بالعبارات التي التزمت بالترجمة الحرفية.

سيرياكو مورون أرويو

ثلاث روايات نموذجية



ومقدمة

المقدمة

1

ثلاث روايات نموذجية ومقدمة! كنت أستطيع كذلك أن أكتب على الغلاف "أربع روايات نموذجية". أربع؟ لماذا؟ لأن هذه المقدمة أيضاً رواية. رواية، افهموني، رواية وليست نيفولا18.

فكرة نيفولا عمّدتها في روايتي "ضباب"، وهي رواية جداً، وشرحت ذلك في صفحة 158، وكان ذلك مخرجاً عثرت عليه من أجل -نُقادي؟ حسناً، فلتمر هكذا -نُقادي. وتمكنوا من استغلال ذلك لأنه يعزز كسلهم العقلي. الكسل العقلي، وهو عدم القدرة على الحكم بل الاتفاق مسبقاً، هو الصفة المميزة لمن يكرّسون لأنفسهم كنُقاد.19

علينا أن نعود في هذه المقدمة -سواء كانت رواية أو نيفولا -أكثر من مرة لمصطلح نيفولا. وأقول علينا أن نعود هكذا بضمير المتكلم الجمع وبشكل أسقفي20، لأنني أشير إليك أنت، أيها القارئ، وإلي أنا، أقصد نحن، نحن من علينا أن نعود إلى الأمر. الآن، إذن، إلى أمر "النموذجية".

نموذجية؟ لماذا؟.


أطلق ميغيل دي سيربانتس كلمة "نموذجية" على الروايات التي نشرها بعد "دون كيخوتيه" لأنه، بحسب مقدمته يقول لنا: "ما من واحدة منها إلا ويمكن أن نستخرج منها نموذجاً مفيداً". ثم يضيف: "محاولتي كانت أن أضع في مجد جمهوريتنا مائدة من الألعاب الفنية، حيث يمكن لكل فرد أن يصل إلى التسلية دون أي أذى من الحواجز، أقول، دون أذى روحي ولا جسدي، لأن التدريبات النزيهة والمريحة تفيد قبل أن تؤذي". وواصل: "نعم، إنها ليست دائماً في المعابد، لا تشغل دائماً المنابر، ولا تكون حاضرة دائماً للصفقات أياً كان وصفها، ثمة ساعات للترويح حيث تستريح الروح المنكوبة؛ ومن أجل هذا الشعور تُقام الحدائق، يجري البحث عن الينابيع، تُرصف التلال وتُزرع الحدائق بكل حماس". ويضيف: "سأتجرأ لأقول لك شيئاً: لو كنت توصلتُ في أي لحظة إلى أن الدرس المُستفاد من هذه

الروايات يمكن أن يثير في قارئها أي رغبة أو تفكير ضار، لقطعت اليد التي كتبت بها قبل أن أنشرها للجمهور؛ لست في سن تسمح لي بالسخرية من الحياة الأخرى، ففي سن الخامسة والخمسين أريد تسع سنوات أخرى وأريد يدي"21.

هكذا يمكن أن نستنتج: أولاً، أن سيربانتس كان يبحث عن النموذجية التي نسميها اليوم جمالية أكثر مما كان يبحث عن الأخلاق في رواياته، طامحاً إلى أن تكون وسيلة للترويح حيث تستريح الروح المنكوبة، وثانياً، أن تسمية نموذجية كانت فكرة تالية على كتابتها. وهي حالتي.

هذه المقدمة تالية للروايات التي تسبقها وتتقدمها، مثل النحو يلي اللغة وينظمها والعقيدة الأخلاقية تالية لأفعال الفضيلة أو النقائص التي تحاول أن تعالجها. وهذه المقدمة، بطريقة ما، رواية أخرى، رواية رواياتي. وهي في نفس الوقت شرح لمصطلح الرواية عندي. أو لو أردنا، مصطلح نيفولا.

وأُطلق صفة نموذجية على هذه الروايات لأنني أقدمها كنموذج -نعم، كما تسمع -، نموذج للحياة والواقع.

واقع! واقع، نعم!

الأجنوستس، بمعنى المحاربين- أو لو أردتم سنسميهم الشخصيات-، هم واقعيون، شديدو الواقعية، وبواقعية أكثر حميمية، من خلالها تسلم الشخصيات نفسها، برغبة صافيةلتكون أو برغبة صافية في ألا تكون، دون أن يكون للقرّاء دخل في ذلك.

2

ما من شيء أكثر غموضاً من هذا الذي يُسمى "واقعية" في الفن الأدبي. لأن، ما الواقع في هذه الواقعية؟

حقيقة أن المسمى واقعية، شيء خارجي محض، وظاهري، سطحي وحكاواتي، يؤشر إلى الفن الأدبي وليس الشعري ولا الإبداعي. الواقع في قصيدة - وأفضل الروايات قصائد-، وفي نص إبداعي، ليس هو الواقع الذي يسميه النقاد واقعية. صور الواقعيون عادةً ما تكون مانيكانات مكسية، تتحرك من خلال حبل وتحمل في صدرها فونوغرافاً يكرر العبارات التي التقطها مايسي بيدرو22 من الشوارع والميادين الصغيرة والمقاهي وسجّلها في دفتره.

ما الواقع الحميمي، الواقع الواقعي، الواقع الداخلي، الواقع الشعري أو الإبداعي للإنسان؟ سواء كان إنساناً من لحم وعظم أو ما نسميه من الخيال، إنه نفس الإنسان. إذ أن دون كيخوتيه أكثر واقعية من سيربانتس؛ هاملت أو ماكبث مثلهما مثل شكسبير، وأوجوستو - انظر روايتي "ضباب"(الرواية جداً) ، ص 280 و281، الذي ربما يكون أنا لكنه ذريعة لتصل حكايته وحكايات آخرين، بمن فيهم أنا نفسي، إلى العالم.

ما الشيء الأكثر حميمية، الأكثر إبداعاً، الأكثر واقعية في الإنسان؟

هنا يجب أن أشير، مرة أخرى، إلى تلك النظرية العبقرية لأوليفير ونديل هولمز- في كتابه the autocrat of the breakfast table، الجزء الثالث- حول شخصيات خوان الثلاث وكذلك شخصيات توماس الثلاث. يقول لنا هولمز حين يتحدث اثنان، خوان وتوماس، ثمة ست شخصيات تتحدث، وهي:

ثلاثة خوانات:

1- خوان الواقعي: الذي يعرفه خالقه فقط.

2- خوان المثالي لخوان: المختلف عن الواقعي، والبعيد في معظم الأحيان عنه.

3- خوان المثالي لتوماس: المختلف عن خوان الواقعي وخوان المثالي لخوان، إنه البعيد عن كليهما.

وثلاثة توماسات:

1- توماس الواقعي.

2- توماس المثالي لتوماس.

3- توماس المثالي لخوان.

بمعنى، ما يكونه الفرد، ما يعتقد أنه يكونه وما يعتقده الآخر فيه. وأوليفير ونديل هولمز يؤكد قيمة كل واحد منهم23.

لكن يجب أن أتناول الموضوع بطريقة أخرى تختلف عن المثقف الأمريكي ونديل هولمز. أقول، إضافة للفرد الذي يعرفه الرب -إن كان الفرد أحداً بالنسبة للرب- والفرد بالنسبة للآخرين وما يعتقده عن نفسه، ثمة أيضاً الفرد الذي يتمنى أن يكونه. وهذا، ما يتمناه الفرد، يكمن بداخله وبصدره، إنه الخالق والواقعي في الحقيقة. وعبر من كنا نريد أن نكونه، لا من نكونه، نحقق النجاة أو الضياع. الرب سيكافئ أو يعاقب الفرد على الدوام لما كان يتمنى أن يكونه.

الآن، ثمة من يريد أن يكون ومن يريد ألا يكون، نفس الشيء يحدث لرجال واقعيين من لحم ودم كما يحدث لرجال واقعيين يتجسدون في الخيال الروائي أو الروائي الناقص. هناك بطولات للرغبة في ألا نكون، تسمى "إرادة مضادة".24

قبل أن أتقدم، من المناسب أن أوضح أن الرغبة في ألا أكون ليس عدم الرغبة في أن أكون.

هناك، بالفعل، أربع حالات، اثنتان إيجابيتان: أ) أريد أن أكون؛ ب) أريد ألا أكون؛ واثنتان سلبيتان: ج) لا أريد أن أكون؛ د) لا أريد ألا أكون. وهيتشبه: أعتقد أن هناك إلهاً، أعتقد أنه لا إله، لا أعتقد أن هناك إلهاً، لا أعتقد أن لا إله. فـ "أعتقد أن لا إله" ليست هي نفس "لا أعتقد أن هناك إلهاً"، و"لا أريد أن أكون" ليست هي "أريد ألا أكون". من الصعب أن نستخرج من إنسان "لا يريد أن يكون" كائناً شعرياً، أو روائياً؛ لكن يمكن أن نستخرج ذلك من شخص "يريد ألا يكون". والذي يريد ألا يكون ليس، بالطبع، منتحراً.

من "يريد ألا يكون" يريد أن يكونه.

ماذا؟ هل يبدو ذلك عويصاً؟ إن بدا لكم ذلك عويصاً وليس بوسعكم، ليس فقط إدراكه، بل الشعور به والشعور بشغف وتراجيدية، لن تبلغوا أبداً إبداع كائنات واقعية، وبالتالي لن تبلغوا التمتع بأي رواية ولا بحيواتكم الخاصة. لأن من المعروف أن من يتمتع بعمل فني يتمتع به لأنه يخلقه بداخله، يعيد خلقه ويُخلق معه25. ولذلك، فإن سيربانتس في مقدمة "روايات نموذجية" يتحدث عن "ساعات إعادة الخلق". وأنا أعدت خلقي بـ ليثينثيادو بيدريرا، وأعدت خلقه في نفسي عند إعادة خلقي. فصار ليثينيثيادو بيدريرا هو أنا نفسي.

3

نتفق، إذن -أقول، يبدو لي أننا اتفقنا... -، في أن الإنسان الأكثر واقعية، صاحب الشيء والسبب، هو من يريد أن يكون أو من يريد ألا يكون، وأنه المبدع. غير أن هذا الإنسان الذي يمكن أن نسميه، على طريقة كانط، حدسياً، هذا الإنسان الاختياري والمثالي -من الفكرة والإرادة أو القوة -يجب أن يعيش في عالم ظاهراتي، هيئاتي، عقلاني، في عالم المسمين بالواقعيين. ويجب أن يحلم بأن الحياة حلم. ومن هنا، من صدام هؤلاء البشر الواقعيين، بعضهم ببعض، تبزغ التراجيديا والكوميديا والرواية والنيفولا. غير أن الواقع هو الحميمية. الواقع لا تشكّله المشاهد، ولا الديكورات، ولا البذلة، ولا المنظر الطبيعي، ولا الأثاث، ولا الأبعاد، ولا...

قارنوا بين سيجيسموند ودون كيخوتيه، وكلاهما حالم بالحياة. الواقع في حياة دون كيخوتيه لم يكن طواحين الهواء، بل العماليق. الطواحين كانت ظاهراتية، ذات هيئة، والعماليق كانوا حدسيين، جوهريين. الحلم هو الحياة، الواقع، الإبداع. العقيدة نفسها ليست إلا، بحسب سان بابلو، جوهر الأشياء المنتظرة، وما يُنتظر هو الحلم. والعقيدة هي منبع الواقع، لأنها الحياة. الاعتقاد هو إبداع.26

أم أن الأوديسة، هذه الملحمة التي هي رواية، ورواية واقعية، واقعية جداً، تغدو أقل واقعية عندما تحكي معجزات وهمية يقصها روائي واقعي من الفن؟

4

نعم، أعرف بالفعل أغنية النقاد الذين التقطوا تفاصيل النيفولا Nivola؛ روايات بحثية، فلسفية، رمزية، مفاهيم شخصانية، دراسة في شكل حواري... والباقي.

حسناً؛ رجل، ورجل واقعي، يريد أن يكون أو يريد ألا يكون، هو مجرد رمز، والرمز يمكن أن يصير إنساناً. كذلك المفهوم. يمكن أن يبلغ المفهوم درجة الشخص. أعتقد أن فرع القطع الزائد يريد - هكذا، يريد!- الوصول للمس الخط المتقارب وليس بلوغه، وأن الهندسي الذي يشعر بهذه الرغبة اليائسة لوحدة القطع الزائد بالخط المتقارب سيبدع لنا هذا القطع كأنه يخلق إنساناً، وإنساناً تراجيدياً. وأعتقد أنالقطع الناقص يريد أن تكون له بؤرتان. وأعتقد في التراجيديا أو في رواية نيوتن عن المعادلة ذات الحدين27. ما لا أعرفه إن كان نيوتن شعر بها.

يطلق النقاد مفاهيم نقية أو كيانات خيالية على أي شيء!

أؤكد لك، أيها القارئ، أنه إذا كان جوستاف فلوبير28 قد شعر، كما يقولون، بعلامات السم عندما كان يكتب، أقصد يبدع، مشهد إيما بوفاري، في رواية تحولت إلى نموذج للروايات، فأنا كنت أشعر بأنني أموت عندما كانت شخصيتي أوجوستو بيريث ترتجف أمامي- بداخلي أدق- وتقول: الأمر أنني أريد أن أعيش، يا دون ميغيل، أريد أن أعيش، أريد أن أعيش..."29- "ضباب"، ص 287-.


قد تقولون لي: "ذلك لأن أوجوستو بيريث هو أنت نفسك!". لكن لا! ثمة فارق بين أن تكون كل شخصياتي الروائية، كل أبطالي الذين خلقتهم وانتزعتهم من روحي، من واقعي

الحميمي- كله محض فرية-، وبين أن تكون أنا نفسي. لأن، مَن أنا نفسي؟ مَن هذا الذي يوقّع باسم ميغيل دي أونامونو؟ إنه إحدى شخصياتي، أحد مخلوقاتي، أحد أبطالي. وهذه الأنا الأخيرة والحميمة والعليا، هذه الأنا الترانسندنتالية- أو المتأصلة-، من هي؟ الرب أعلم... ربما تكون الرب نفسه...

والآن أقول لكم إن هذه الشخصيات الغسقية- لا النهارية ولا الليلية- والتي لا تريد أن تكون ولا تريد ألا تكون، بل تترك نفسها للريح، هذه الشخصيات الممتلئة بها رواياتنا الإسبانية المعاصرة، بكل ما يميزها من علامات وملامح، بحشوها ونمطيتها وإيماءاتها، ليست في أغلبها أشخاصاً، ولا علاقة لها بالواقع الحميمي. ما من لحظة تفرغ نفسها فيها، ولا تعري روحها.

الإنسان الحقيقي يمكن كشفه، وخلقه، في لحظة، من خلال عبارة، عبر صرخة. كما في شكسبير. وبعدها تم كشفه هكذا، مبتدعاً، تعرفونه أفضل مما يعرف نفسه ربما.

إن أردت أن تخلق، أيها القارئ، في الفن أشخاصاً، أبطالاً- تراجيديين، كوميديين أو روائيين، لا تراكم التفاصيل، لا تكرس نفسك لمراقبة من يتعايشون معك من الخارج، بل عالجهم، أثرهم إن استطعت، أحبهم قبل أي شيء وانتظر أن يأتي يوم- أو لا يأتي أبداً- تخرجهم إلى النور وتعري روح روحهم، ما يريدون أن يكونوه، في صرخة، في حدث، في عبارة، وحينها تناول هذه اللحظة، تقمّصهم ومثل جرثومة دع الشخصية الحقيقية تتطور فيك، في واقع حقيقي. حتى تبلغ معرفة أن صديقك خوان أو صديقك توماس أيهما يريد أن يكون خوان وأيهما يريد أن يكون توماس وأيهما لا يريد أن يكون.

لم يكن بلزاك رجلاً يصنع حياة من العالم ولا كان يقضي وقته في تدوين ملحوظات يراها في الآخرين أو يسمعها منهم. بل كان يحمل العالم بداخله.30

5

الحكاية أن كل كائن إنساني يحمل بداخله الفضائل السبع والنقائص السبع الرئيسية المضادة لها: إنه متعجرف ومتواضع، متهور ورصين، فاجر وعفيف، حسود ومحسن، بخيل وكريم، كسول ومجتهد، ظالم ومتألم. ويستخرج من داخل نفسه نفس الطاغية والعبد، المجرم والقديس، قابيل وهابيل.

لا أقول إن دون كيخوتيه وسانتشو نبتا من نفس النبع لأنهما لا يتناقضان فيما بينهما، ودون كيخوتيه كان سانتشياً وسانتشو كان كيخوتياً، كما أعتقد أننيقد تناولت ذلك في كتابي "حياة دون كيخوتيه وسانتشو". رغم أن هناك من سيقول إن دون كيخوتيه وسانتشو في تلك الرواية ليسا بطلَي سيربانتس، وهو محق تماماً، لأن لا دون كيخوتيه ولا سانتشو مِلكٌ لسيربانتس ولا لي، بل إنهما ملك لكل من يبدعهما ويعيد إبداعهما. بمعنى آخر، إنهما ملك لنفسيهما، ونحن عندما نتأملهما ونبدعهما، نغدو تحت ملكيتهما.


وأنا لا أعرف إن كان دون كيخوتيه الخاص بي يختلف عن الخاص بسيربانتس أو أنني، إن كانت نفس الشخصية، قد اكتشفت في روحها أعماقاً لم يكتشفها سيربانتس، أول من اكتشفها. لأنني وائق، بين أمور أخرى، من أن سيربانتس لم يقدّر كل ما عنى في حلم حياة الفارس ذاك الحب الخجول والصامت الذي شعر به تجاه ألدونثا لورنثو. كما أن سيربانتس

loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
loading
Überspringen
Weiter